المشهد اللّبناني: تعقيدات رهن التوافق المحلّي والإجماع الدّولي!
ليست أحجيةً هذه بل توصيف للمشهدية السياسية اللّبنانية بتعقيداتها وتفرعاتها اليوم!
فنحن الآن في بلدٍ منهارٍ اقتصادياً خاصة عقب انفجار مرفأ بيروت والازدياد الكبير لجائحة كورونا، كما أنّنا أمام حكومة تصريف أعمال برئاسة الرئيس حسان دياب في الوقت الذي تمّ تكليف الرئيس السابق سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة منذ ما يربو على الشهرين.
كلّ هذا تزامن مع ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار مقابل اللّيرة اللّبنانية ما تسبّب بغلاء كبير في المعيشة وسط اختفاء العملة الصعبة من الأسواق.
هذا الغلاء أدّى بدوره إلى انتفاء الطبقة الوسطى فصارت أغلب فئات الشعب تعاني من الفقر.
من جهتهم حاول الفرنسيون القيام بمبادرة لتسهيل الأمور ومحاولة إنقاذ لبنان من المأزق الحرج الذي هو فيه. حاول الرئيس المكلّف سعد الحريري تلقّف المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومته لكنّه اصطدم بعقبتين رئيسيتين هما:
– المعضلة الكبيرة التي سيواجهها الحريري في تأليف حكومته بعد “الفيتو” الذي وضعته أميركا على المبادرة الفرنسية. وهذا الفيتو يأتي لأنّ المبادرة الفرنسية لا تمانع مشاركة ممثلين عن حزب الله في الحكومة وكان لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أكبر دليل على ذلك في وقتٍ تصنّف فيه أميركا الحزب كمنظمة إرهابية وتفرض عليه العقوبات تباعاً.
– هذا خارجياً، أما العقبة الثانية التي واجهت الحريري فكانت داخلية وهي أن الرئيس المكلّف تصرّف منذ تكليفه كأنّ أغلبيته النيابية سمّته لهذا المنصب فبات يريد أن يتصرّف كالآمر الناهي في كلّ ما يتعلق بتشكيل الحكومة متناسياً جملة من الأمور:
* رئيس الجمهورية وفريقه السياسي يمثلان جزءًا كبيرًا من الشارع المسيحي.
* ثنائي الحزب والحركة له الحق بالمطالبة بحصّته من الوزارات بما يتوافق مع الحضور الشعبي الذي فرضته الانتخابات الأخيرة.
* يريد الحريري أن يؤلّف حكومة جامعة لوحده لا بالتشاور كما درجت العادة، أي أن يقوم هو بتسمية الوزراء الشيعة الذين إن تمثل من بينهم وزراء لحزب الله ستحلّ اللّعنة الأميركية وإن لم يتمثلوا فإنّ حركة أمل لن تشارك بالحكومة التي ستفقد ميثاقيها بهذه الحالة. كما يريد الحريري أن يقوم بتسمية الوزراء المسيحيين والدروز أيضًا وأن تكون الحكومة من 18 وزيراً والحقائب مداورة.
وبذلك فإنّ الرجل المكلّف والذي كشفت معلومات صحافية أنّه قد يواجه العقوبات الأميركية في حال لم ينصاع، يتصرف على قاعدة “شراء الوقت” عبر إعطاء وعود متناقضة لمختلف الأفرقاء من جهة و فرض شروط تعجيزية من جهة أخرى، وهو بذلك يملأ فراغه السياسي إلى حين حدوث استثناء إقليمي ودولي يخرجه من كبوته.
وسط كل هذه الضجة حملت الانتخابات الرئاسية الأميركية رئيساً جديداً إلى البيت الأبيض هو جو بايدن قد تكون حساباته مختلفة عن سلفة دونالد ترامب كونه من الحزب الديموقراطي، تزامن ذلك مع حدث مهم في سوريا تمثل في وفاة وزير خارجيتها وليد المعلم مع ما له من ثقلٍ على المستوى الداخلي والخارجي.
تطول المشاهدات السياسية والاستحقاقات المترتبة عن أحداث تتعاقب بسرعة يعجز المواطن عن اللّحاق بها، هو الذي أصبح السؤال الذي يقضّ مضجعه: إلى متى؟ وإلى أين؟
حسين رسلان